“صحيح أن الدولة تتقدم، بسرعة كبيرة، نحو حافة الهاوية. إن استمرت حرب الاستنزاف مقابل حماس وحزب الله، فسوف تنهار إسرائيل في غضون أقل من سنة واحدة. العمليات الانتحارية تتزايد في المناطق وفي داخل الدولة، جيش الاحتياط ينصرف عن التجند وتأدية الخدمة، وخاصة بعد إعادة تجنيد الجنود أنفسهم مرارًا وتكرارًا لأن لا بُدلاء لهم. الاقتصاد آخذ في الانهيار، إسرائيل تبدو في العالم كدولة جرباء، الأمر الذي يستدعي المقاطعة الاقتصادية وفرض الحظر على بيع الأسلحة. كما نفقد المناعة الاجتماعية وقد تشتعل الكراهية بين أجزاء الشعب المختلفة لتؤدي إلى انهياره من الداخل”؟!
كتب إلجنرال “إسحاق بريك” الملقّب “النبي” لكونه تنبأ بعملية طوفان الأقصى ولم يستمع له أحد في القيادتين السياسية والعسكرية حينها، وهو قاد اللواء (احتياط) الفرقة النظامية 36 والفيلق الجنوبي 441 والكليات العسكرية وأشغل لمدة عشر سنوات منصب مفوض شكاوى الجنود، كتب مقالاً هامّاً في “هآرتس” تحت العنوان أعلاه، جاء فيه: “معظم التصريحات الطنانة التي أطلقها وزير الأمن، يوآف غالانت، خلال الحرب في قطاع غزة كان يفتقر على أي أساس. بعد احتلال مدينة غزة، قال إننا نسيطر، سيطرة تامة ومطلقة، على المدينة وما فيها من أنفاق، وأن حماس سوف تستسلم في غضون مدة قصيرة. ثم بعد احتلال خانيونس إدّعى بأنّ يحيى سنوار يركض في الأنفاق وحده وبأنه قد فقد السيطرة على رجاله وخلال أيام قليلة سنلقي القبض عليه. في تصريحاته، كان غالانت يذرّ الرماد في أعين الجمهور، سوية مع زميليه هرتسي هليفي (رئيس الأركان) وبنيامين نتنياهو (رئيس الحكومة). مؤخرا فقط بدأ غالانت يتعقّل فأعلن، في جلسة لجنة الأمن والخارجية في الكنيست، أن الانتصار المطلق هو (محض هراء). يبدو أنه بدأ يفهم أنه إذا ما اندلعت حرب إقليمية جرّاء عدم التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المخطوفين، ستكون إسرائيل في موضع الخطر. لذلك، طالب بإجراء نقاش في الحكومة أو في المجلس الوزاري المصغّر بغية تحذير الجميع. يبدو أن الهدف من هذا النقاش هو إلقاء اللوم والمسؤولية ليس عليه وحده فقط، بل على جميع وزراء الحكومة. أنا أفترض أن غالانت قد أصبح يدرك حقيقة أن الحرب قد أضاعت هدفها. نحن نغرق في وحل غزّة، نخسر مقاتلين يُقتَلون ويُجرَحون، دون أي أمل في تحقيق هدف الحرب المركزي: القضاء على حماس”؟!
وأضاف: “صحيح أن الدولة تتقدم، بسرعة كبيرة، نحو حافة الهاوية. إن استمرت حرب الاستنزاف مقابل حماس وحزب الله، فسوف تنهار إسرائيل في غضون أقل من سنة واحدة. العمليات الانتحارية تتزايد في المناطق وفي داخل الدولة، جيش الاحتياط ينصرف عن التجنّد وتأدية الخدمة، وخاصة بعد إعادة تجنيد الجنود أنفسهم مرارًا وتكرارًا لأن لا بُدلاء لهم. الاقتصاد آخذ في الانهيار، إسرائيل تبدو في العالم كدولة جرباء، الأمر الذي يستدعي المقاطعة الاقتصادية وفرض الحظر على بيع الأسلحة. كما نفقد المناعة الاجتماعية وقد تشتعل الكراهية بين أجزاء الشعب المختلفة لتؤدي إلى انهياره من الداخل”؟!
واستطرد قائلاً: “يفهم السنوار وحسن نصر الله وضع إسرائيل القاسي جيدًا، ولذا فإنّ ما كان باستطاعتها تحقيقه في السابق من خلال اتفاق لتحرير المخطوفين ولوقف إطلاق النار، أصبح الآن مستحيلًا بسبب الشروط الجديدة التي أدخلها بنيامين نتنياهو على الاتفاق. ويدّعي أعضاء وفد المفاوضات في الدوحة بأنهم لا يملكون مساحة للمناورة والتفاوض لأنّ أيديهم مُكبّلة”؟!.
ويتابع: “حيال هذا الوضع الجديد، يبرز في المنطقة تهديد من إيران وحزب الله بمهاجمة إسرائيل ردًا على قتل المسؤولَيْن الرفيعَيْن. كانت تلك خطوة من شأنها إشعال الشرق الأوسط، اتخذ القرار بتنفيذها مهووسو الحرائق الثلاثة، نتنياهو وغالانت وهرتسي هليفي، دون التفكير بدلالات وعواقب قراراتهم عديمة المسؤولية. بدأ السنوار يدرك أن حرب الاستنزاف تعمل لصالحه، ناهيك عن حرب إقليمية متعددة الجبهات. ولذا، فهو يفضّل الآن استمرار القتال على الاتفاق ويتشدد في مواقفه. لو لم يضع نتنياهو العصي في الدواليب طوال الوقت وعلى طول الطريق، لكانت إسرائيل قد توصلت بالفعل إلى صفقة لتحرير الأسرى، قبل أن يتشدد السنوار في مواقفه. وإعلان نتنياهو الأخير لعائلات المخطوفين بشأن ضرورة المحافظة على (أرصدة أمنية) في القطاع ـ وهذه خدعة كبرى ـ قد نسف جميع الأوراق ونسف الصفقة بصورة نهائية، الأمر الذي سيجلب كارثة على المخطوفين وعائلاتهم، وكذلك كارثة على الدولة. جميع الطرق التي تسلكها القيادتان السياسية والعسكرية تقود إسرائيل نحو المنحدَر. دكتاتور واحد يتحكّم بمصير الدولة وقطيع من النعاج يسير خلفه ويضرب في العتم وراء (التّيس) قائد القطيع. فقد قرر نتنياهو (الموت مع الفلسطينيين) ـ مواطني الدولة ـ فقط كي لا يفقد السلطة. لقد فقد إنسانيته، قيم الأخلاق الأساسية، المعايير، القيَم، الإنسانية والمسؤولية عن أمن إسرائيل. ولن ينقذ الدولة سوى تغييره وتغيير حاشيته. فقد دخلت إسرائيل في دوامة وجودية وقد تصل قريبًا إلى نقطة اللا عودة”؟!
وخلص إلى القول: “بعد ألفيّ سنة من الشتات عُدنا وأقمنا دولة تشكل مصدرًا للفخر. دفعنا أثمانًا باهظة، بعشرات آلاف القتلى والجرحى. واليوم نرى هذه الدولة وهي تتفكك بين أيدينا، بسبب نتنياهو، غالانت، هليفي وجميع مجروراتهم. لا يزال بالإمكان القيام بعمل ما قبل فوات الأوان”؟!