تقارير منوعة

هل يدعم النظام المصري الآلة الحربية الإسرائيلية؟

العلاقات التجارية بين مصر والكيان الصهيوني لم تتأثر أو تتغير طيلة الحرب، كأن مصر لا علاقة لها البتة بهذا الصراع، أو كأنه يدور في كوكبٍ آخر، كما أنه عدا التحركات الدبلوماسية الكسيحة من نوعية الاقتراحات وتقديم الأوراق والتصورات والاجتماعات، للتقريب بين وجهات النظر، فإن النظام المصري لم يمارس أي ضغطٍ ذي شأن، بل هو يحكم الحصار حول غزة بدعوى أنه لا يريد أن يمرر مشروع تهجير الفلسطينيين. لو أن هذا النظام وطني بحق مالكٌ لإرادته لكان كسر الحصار وقدم الدعم، الإنساني على الأقل، لأهل غزة، لكنه لم يفعل ولن يفعل“.

نشرت صحيفة ” القدس العربي” اللندنية اليوم  2/11 الجاري، مقالاً تحليلياً للكاتي المصري “يحيى مصطفى كامل” بالعنوان أعلاه، بدأه بالقول: “لغطٌ غاضبٌ ورافض ثار في أوساط الحقوقيين المصريين، والمهتمين بالشأن العام والمتضامنين (كما ينبغي أن يكون) مع قضية شعبنا الفلسطيني المحاصر الذي يتعرض للإبادة في اليومين الأخيرين، لغطٌ وتساؤلاتٌ تسبب فيها خبرٌ متوار يتعلق برسو السفينة «إم في كاثرين» التابعة لشركةٍ ألمانية حاملةً 150 ألف كجم من المتفجرات في ميناء الإسكندرية، في طريقها إلى الصناعات الحربية الإسرائيلية. خبرٌ كان من شأنه أن يمر مرور الكرام، أو على الأقل كان هذا هو المأمول، أو ما أريد له، لولا المراقبة العالمية والمتربصة من القوى المناوئة والرافضة للعدوان الصهيوني، التي لاحقت هذا المركب، حيث رفض الناشطون وعمال الموانئ في بلدانٍ عديدة التورط بأي شكلٍ من الأشكال مع هذه السفينة المشؤومة، ما تسبب في رفض كلٍ من أنغولا وسلوفينيا والجبل الأسود ومالطا دخولها إلى موانئها. ثم رست في الإسكندرية، أو على الأقل هذا ما أفاد به الموقع الرسمي لميناء الإسكندرية، وتقرير موقف السفن في الميناء، فلما قامت الدنيا، قام معها تضاربٌ بين وزارة النقل، التي أفادت برسو المركب بالفعل، إلا أنها ادعت أن وجهته تركيا، وقناة «القاهرة الإخبارية» التي أذاعت نافيةً صحة رسو المركب، ثم لم تلبث القوات المسلحة المصرية أن نفت بشدة ما ادعت أنه يُروج من تعاونٍ مع آلة الحرب الإسرائيلية ومجهودها الإجرامي لإبادة الشعب الفلسطيني، فلم يزد ذلك التضارب المرتبك والنفي المحتد للجيش، مع سابق معرفتنا بهم، إلا من الشك فيهم ومن شبه اليقين المتنامي بأن المركب بالفعل قد رسا في الميناء، وأن وجهته بالفعل هي الكيان الصهيوني”.

وأشار الكاتب إلى أن: “الثابت، أن العلاقات التجارية بين مصر والكيان الصهيوني لم تتأثر أو تتغير طيلة الحرب، كأن مصر لا علاقة لها البتة بهذا الصراع، أو كأنه يدور في كوكبٍ آخر. لا شك أن موقف المعسكر الرافض لهذا التعاون وفي الصدارة منهم ربما، أولئك الذين حركوا دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء، ورئيس هيئة ميناء الإسكندرية والرئيس التنفيذي لشركة الخدمات البحرية، التي استقبلت المركب موقفٌ مشرف، بل هو الضوء الأبيض في ظلام الإهانات والتخاذل العميم، إلا أن الموقف برمته، عدا الضجيج والغضب يدعو للتأمل العميق، في حالنا الذي ألنا إليه، وانطباعاتنا وتصوراتنا عنه. بِتُّ في الآونة الأخيرة أعير اهتماماً أكبر لا للصورة الكبيرة البارزة للعيان، بل للتفاصيل البسيطة، الصغيرة، المتوارية، فقد وجدتها لا تؤكد الخطوط العريضة فحسب، بل أكثر مقدرةً على الكشف والإفادة الدقيقة بمدى تدهور الأوضاع (أو نظرياً تحسنها حين يسعدنا القدر بذلك)، وعلى ضوء ذلك الاهتمام، فإن لي أن أسأل: ما الذي يدل عليه مجمل أداء النظام المصري في الحرب الدائرة على غزة ولبنان وهذه الواقعة إن صحت؟ الموات المبدئي والبلادة: ربما يكون نظام يوليو ما بعد كولونيالي وُلد من رحم الحركة الوطنية بمطلبها الرئيسي، المتمثل في الاستقلال وبناء جيشٍ وطني واقتصادٍ مستقل إلخ، مما هو معلن ومسجل وكنتيجة لضعف البورجوازية المصرية وتشكيلاتها السياسية حينذاك، إلا أنه ما لبث، خاصةً بعد رحيل عبد الناصر، أن أخذ في التخفف من حمولته المبدئية والفكرية، حتى وصلنا إلى المرحلة «السيسية»، حيث صار المبدأ الوحيد هو البقاء المحض، كسمسار يبيع ويتاجر في أي شيء، دون أي نوازع أخلاقية أو مبدئية، أو تصورات أيديولوجية كبيرة، فالنظام مفلس تماماً في هذا المضمار؛ أما البلادة فحدث ولا حرج، فرجالات النظام الأقرب لا تمثل المعاناة الفلسطينية بالنسبة لهم أي شيء ولا يرون فيها سوى انعكاساتها المحتملة على مصالحهم وبقائهم. من التجاوز الذي قد يصل إلى حيز المجاملة الحديث عن تصور استراتيجي للسيسي أو نظامه، فعلى الرغم من أوهام العظمة والهلاوس السمعية والبصرية التي لا يبخل بمشاركتها معنا، فالرجل ليس لديه سوى تصوراتٍ ضحلة وبسيطة، تتلخص في عدم إغضاب الولايات المتحدة في المقام الأول، ومحاولة استرضاء كل من يبدون استعداداً لدعمه، مادياً في المقام الأول كبعض دول الخليج؛ هو لا يفهم في موضوع القضايا والانتماءات إلخ، بل السؤال الأهم لديه، كما عبر بنفسه بصيغٍ متفاوتة أكثر من مرة، هو (بِكم؟) أو ما سعر أي شيء؟ لذا فإنه شأنه شأن المهرولين للرهان على إسرائيل، لا يرى في المحنة الفلسطينية وقضيتها سوى صداعٍ، أو عبءٍ لا يهمه إلا بالمقدار الذي يستطيع تطويعه للاستفادة والكسب منه”.

ويخلص الكاتب في مقالته للقول: “يثبت مجمل التعامل مدى الجهل الذي لا يبدو أنه يؤرق النظام كلما بدت شواهده، فهم لا يكترثون ولا يشعرون بالخجل، ولا يدركون، أو لا يقيمون وزناً لكون مصادر المعلومات متنوعة ومتوفرة، كما أن الناشطين في دعم القضية والمقاومة الفلسطينية، يتابعون ما يحدث في العالم جيداً، على عكس النظام الغارق في أوحال عالمه الخاص من المصالح الضيقة، أما عدم الاكتراث والبلادة فتتبدى في عدم الحرص على التنسيق بين الوزارات والهيئات المختلفة لتأتي تصريحاتهم موحدة ومن ثم مقنعة. يزعم البعض، وهم قلة تتناقص يومياً، بأن الناشطين السياسيين والحقوقيين يتصيدون الأخطاء والإشاعات، فيضخمون منها لزعزعة الثقة في النظام، وبث السخط، وهم بهذا يتغافلون، أو يتعامون عن كون السبب الرئيسي في ما وصلنا إليه هو سوء أداء النظام الكارثي في الاقتصاد، والمشفوع بقمعٍ لا مثيل له مما عمق من فقدان الثقة بين عموم الناس والنظام.

تتضافر الأحداث وتتابع لتثبت أننا كمواطنين مفرطون في التفاؤل وحسن النية في ما يخص السيسي والقائمين على هذا النظام، فمراقبة الواقع بتجردٍ من المشاعر الوطنية يشير إلى تجردهم، كما أسلفت، من أي حمولة مبدئية، أو انحيازاتٍ وطنية، ولكن يبدو أننا نجد صعوبة في تصديق أننا وصلنا إلى هذا الدرك الأسفل من الهوان والضياع وقلة القيمة والذل. سواءً أصحت هذه الواقعة أم لم تصح فإن الثابت، أن العلاقات التجارية بين مصر والكيان الصهيوني لم تتأثر أو تتغير طيلة الحرب، كأن مصر لا علاقة لها البتة بهذا الصراع، أو كأنه يدور في كوكبٍ آخر، كما أنه عدا التحركات الدبلوماسية الكسيحة من نوعية الاقتراحات وتقديم الأوراق والتصورات والاجتماعات، للتقريب بين وجهات النظر، فإن النظام المصري لم يمارس أي ضغطٍ ذي شأن، بل هو يحكم الحصار حول غزة بدعوى أنه لا يريد أن يمرر مشروع تهجير الفلسطينيين. لو أن هذا النظام وطني بحق مالكٌ لإرادته لكان كسر الحصار وقدم الدعم، الإنساني على الأقل، لأهل غزة، لكنه لم يفعل ولن يفعل. بعيداً عن المزايدات، وبغض النظر عن واقعة السفينة، أو بالإضافة إليها، فإن النظام المصري من الناحية الفعلية مشاركٌ في الحرب على الفلسطينيين، إن لم يكن بتقديم الدعم اللوجستي، كما هي الحال مع هذه السفينة (التي لا يقنع تضارب التصريحات بنفي حدوثها) فهو مشاركٌ بالدعم السلبي المكتفي بـ(الفرجة) وإحكام الحصار”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى