خاص - ماتريوشكا نيوز

هل تعمّق تصريحات بيربوك الفجوة بشأن حرب غزة بين ألمانيا والدول العربية؟

ماتريوشكا نيوز

هل خسرت ألمانيا العرب بعد تصريحات بيربوك؟

في عام 2018 عندما كانت أناليا بيربوك عضوا في البرلمان عن حزب الخضر المعارض وقتها رفضت أنالينا بيربوك تسليم إسرائيل غواصات ألمانية، معلنة في مناطق الأزمات لا ينبغي تسليم غواصات يمكن تعديلها. في 10 أكتوبر 2024 أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك: “ولهذا السبب ذكرنا ذلك بوضوح مرارا وتكرارا، من الواضح أن الدفاع عن النفس لا يعني مواجهة الإرهابيين، بل تدميرهم أيضا ولهذا السبب أوضحت الأمر بكل وضوح إذا إختبأ إرهابيو حماس خلف الناس، خلف المدارس فإننا ندخل إلى مناطق صعبة للغاية، لكننا لا نخجل من ذلك ولهذا السبب أوضحت للأمم المتحدة أن الأماكن المدنية ممكن أن تفقد أيضا وضعها المحمي لأن الإرهابيون يستغلونها هذا هو موقف ألمانيا وهذا يعني الأمن لإسرائيل”.

وامام التصريحين ردود فعل مستغربة لتغيير مواقف الوزيرة وأخرى غاضبة من سياسة الحكومة الألمانية حول ما يحدث في الشرق الاوسط منذ أكتوبر عام 2023 وصلت لحد الدعوى لمقاضاتها.
لقد أدى دعم برلين الذي لا لبس فيه لإسرائيل إلى تآكل بصمة قوتها الناعمة في المنطقة.

فلماذا تغيرت بيربوك؟

منذ البداية دعمت ألمانيا إسرائيل وفي عام 1952 وافقت حكومة ألمانيا الغربية على دفع تعويضات المحرقة للدولة الفتية في محاولة من المستشار وقتها كونراد أدنور لاستعادة سمعة المانيا وإعادة دمج نفسها مع القوى الغربية، لكن ذلك اغضب جامعة الدول العربية التي اعتبرت أن المانيا تحل مشكلاتها على حساب العرب، بعدها حاولت برلين لعب دوري الوسيط واصبحت داعمة رئيسية للمفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بينما قدمت نفسها بصفة مانح للأراضي الفلسطينية ضمن ما يسمى بدبلوماسية دفتر الشيكات. لكن في مطلع القرن الحالي بدأت المانيا تقترب من إسرائيل واصبحت سياسة برلين الخارجية مرتبطة بشكل متزايد بالمخاوف الداخلية بشأن معاداة السامية والمشاعر المعادية لإسرائيل بين المسلمين في المانيا والتي قال بعض السياسيون انها اعاقت محاولات البلاد للتغلب على تاريخها بينما لخصت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل سياسة المانيا ببساطة في خطابها عام 2008 أمام الكنيست:” كل حكومة اتحادية وكل مستشار قبلي كان ملتزما بمسؤولية ألمانيا التاريخية الخاصة اتجاه أمن إسرائيل”.

لذلك عندما وصلت بيربوك إلى الحكومة كررت مع المستشار أولاف شولتز ما قالته ميركل في ذلك الخطاب إنطلاقا مما تصفه برلين بالمسؤولية التاريخية اتجاه إسرائيل. حتى وإن كان بعض موظفي المؤسسات الأمنية يعترفون سرا بأن السياسة الخارجية الألمانية غير مرتبطة بواقع الفلسطينيين، أما بيربوك فقد دافعت عن سياستها بعدم التصويت على قرارات الأمم المتحدة الداعمة لوقف إطلاق النار في غزة بأنها جزء من سياساتها للوساطة، كل ذلك بالاضافة للخطاب الأخير دفع لإتهام بيربوك للتحريض على قتل المدنيين داخل وخارج المانيا، واعتبر ما قالته أمام البرلمان مخالف للقانون الدولي.

فهل كانت تصريحاتها غير قانونية؟

قد أوضح د. ماتياس كيتيمان الأستاذ الجامعي والخبير بالقانون الدولية أن تصريح وزيرة الخارجية الألمانية لا يعبر عن رأي يتعارض مع القانون الدولي الإنساني ومع ذلك خاصة في ضوء إلتزام ألمانيا القوي للغاية بسياسة خارجية قائمة على حقوق الإنسان وتتمحور حول الإنسان وهو ما تدافع عنه، فقد كان من المفيد لها تضمين إشارة واضحة إلى أهمية حماية المدنيين، حماية البشر وضمان حقوق الإنسان والأمن الإنساني للمدنيين وخاصة في هذه الصراعات لا ينبغي أن يتم التغاضي عن هذا، يجب أن يكون هذا في المقدمة والوسط والمدنيون هم الذين يعانون.

أما السفارة الألمانية في القاهرة سارعت لنفي الإدعاءات التي تقول بأن وزيرة الخارجية تدعم الهجمات على المدنيين واصفة هذه الإداعاءات بالباطلة، فيما أكد مكتب وزيرة الخارجية ردا على أسئلة قناة “دويتشه فيليه” الألمانية أن حماية المدنيين هي المبدأ الأسمى.

وزيرة الخارجية أشارت مرارا وتكرارا إلى أهمية القانون الإنساني الدولي سواء في سياق ممارسة حق الدفاع عن النفس أو فيما يتعلق بصادرات الاسلحة. واشارت ايضا الى اننا كأصدقاء حميميين لاسرائيل نتعامل دائما بصراحة وحرص على أمن جميع الأشخاص في المنطقة، في غزة وفي الضفة الغربية ولبنان. المانيا تعد أكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية في غزة. كذلك تعرضت الوزيرة بيربوك لإنتقادات حول سياساتها لا تقترب نحو صنع السلام بالمنطقة اوالعمل لوقف الحرب التي حصدت عشرات الآلاف من المدنين.

وأضاف د. كيتمياس: “يتعين على السياسيين أن يكونوا أكثر حذرا فيما يتعلق بالأخلاقيات من الأشخاص العاديين لأن لديهم منبر كما تعلمون الناس يستمعون إليهم إنهم يتخذون قرارت مبنية على اعتبارات أخلاقية ولذلك أشعر أنه كان بإمكانها أن تكون أكثر وضوحا فيما يتعلق بالواجبات الأخلاقية للمشاركة في الصراع ومن الأفضل كثيرا صياغة مبادئ توجيهية وأخلاقية واضحة مثل حماية المدنيين وأن المشاركة في عمل عسكري في مكان يتواجد فيه المدنيون، حتى لو كانت قانونية يمكن أن تكون غير أخلاقية.

لكن ما الأبعاد الأخرى لهذه التصريحات؟

على مدار عقود من الزمن سعت المانيا الى التوفيق بين مسؤوليتها التاريخية إتجاه إسرائيل وعلاقتها الودية باتجاه العالم العربي، لقد طورت برلين بصمة كبيرة في مجال القوة الناعمة وكان ينظر إليها منذ مدة طويلة على أنها وسيط نزيه في العلاقات التجارية والإقتصادية لكن منذ اكتوبر 2023 بدأ هذا يتغير مع دعم ألمانيا للهجوم الإسرائيلي ومواصلة برلين لتقديم نفسها كواحدة من أقرب الحلفاء السياسيين والعسكريين لإسرائيل. توالت تصريحات المسؤولين  الالمان الداعمة لإسرائيل وأوقفت العديد من المؤسسات الألمانية تعاونها مع فنانين ومنظمات بالعالم العربي بسبب الاحداث في الشرق الاوسط، بينما جوبهت العديد من المظاهرات الداعمة للفلسطينيين بعنف من قبل الشرطة داخل المانيا. وجد استطلاع اجراه معهد الدوحة في يناير الماضي لسكان 16 دولة عربية ان 75% من المشاركين لديهم رأيي سلبي اتجاه ألمانيا بشان موقف البلاد من الحرب  بين اسرائيل وحماس.

وأضاف الصحفي والمحلل السياسي سليمان عبد الله: “المانيا ايضا خسرت نوعا ما مصداقيتها من ناحية محاولتها قدر الإمكان التعامل مع تبعات تصرفات الحكومة الاسرائيلية الشريكة لها، لتبدو أنها لا تبالي بكيفية توضيح الحكومة الألمانية نفسها أمام الرأي العام الدولي.هي تحاول بقدر الامكان التماهي مع المواقف والتصرفات الإسرائيلية ما يسمى هنا في المانيا طريقة قيادة الحرب في غزة مثلا تبدو وكأنها فقدت مصداقيتها ولكنها تكمل في نفس الطريق، لا تبدو الخارجية الألمانية وكأن لديها إستراتيجية لتغيير موقفها اوتفكر في تغيير موقفها. ولا أعتقد بأن سياسة ألمانية ستكون لها تأثير كبير على علاقاتها مع الحكومات العربية لان الموضوع يتعلق كما هو معروف بعلاقات إقتصادية وإستخدام ألمانيا نفوذها المالي والاقتصادي في التأثير عليها لذلك لا أعتقد ان المانيا قلقة بعمق من ان هذه المواقف ستؤدي الى شرخ في علاقاتها الرسمية مع الحكومات.

لذلك وبسبب كل ذلك تصريحات الوزيرة بيربوك لن تزيد الأمر السيء سوءا حسب ما يراه مراقبون بينما لن تتخلى الحكومات العربية عن برلين بوصفها ممولة للمجتمع المدني وشريكا اقتصاديا للعديد من الحكومات بالرغم أن ذلك سيؤثر على قوتها الناعمة.

 

موقف محرج جدا لوزيرة الخارجية الألمانية

وفي موقف محرج للغاية وأمام الكاميرات عند وصولها إلى العاصمة الصينية بكين، فوجئت الوزيرة بعدم وجود أي وفد أو لجنة رسمية لاستقبالها، وتركوها بمفردها في المطار في مشهد يعكس توتراً دبلوماسياً. وظهرت على وجه بيربوك علامات الارتباك بعدما تلقت توجيهات بأن تستقل حافلة في خطوة تبدو كرد من بكين على تصريحاتها السابقة.

يذكر أن بيربوك وصفت الصين بـ ” المنافسة” وأثارت الجدل بوصفها الرئيس الصيني شي جين بينغ بعبارات استفزازية، مما دفع الحكومة الصينية حينها لاستدعاء السفير الألماني ووصف تصريحاتها بأنها “سخيفة ومستفزة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى