قراءة الواقع بعيون واقعية على خلفية استشهاد القائد حسن نصر الله (الجزء الثالث)
بقلم د. أيمن أبو الشعر
• السلفيون – وليس اليساريون- دعوا إلى محاربة حزب الله، وإسرائيل استطاعت إقناع بعض العرب بأن “الشيعة” أعداؤهم وهي المنقذّ
وضع النقاط على الحروف
في محاولة لوضع النقاط على الحروف، أقول بكل ثقة أن المتشدين من قواة المعارضة هم الذيم ساعدوني كثيرا في ألا أضيّع بوصلة الوطن، وبوصلة انتمائي للفكر اليساري، وأريد أن أسأل العقلاء كم تقدرون حجم ومكانة القوة اليسارية في تنظيمات القوى المتطرفة المقاتلة؟ تشجعوا! نعم أقل من 5%، وكان بديها أن تشد القوى الرجعية وحتى السلفية قسما غير قليل من هؤلاء “الرفاق سابقا” باتوا مع مرور الزمن مثلهم، في البداية كانوا يسايرونهم، ثم صاروا يمارسون طقوسهم، ويتبنون أفكارهم وليس العكس! ولو لم يفعلوا ذلك لقتلوا، فالمتشددون الإسراميون كانوا يمارسون وحشية لا يمكن طان توصف بما في ذلك غيقاف السيارات والشاحنات على طرق السفر وبكل بساطة يطلبون من السائق أن يجيب عن أسئلة دينية، لا يعرفها سوى المتخصصون، وحين يعجز عن الإجابة، وتأكيدا لتسامحهم يطلبون منه قراءة آيات محددة، أو ذكر بعض الأحاديث الشريفة، وطبعا 90% من هؤلاء الناس لا يعرفون، وتكون النتيجة أن يطلقوا النار عليهم، أي أن يقرروا إعدامهم!!! فهل يمكن لعاقل أن يكزون مع هؤلاء؟ هذه أولة النقاط على حروف هذه المأساة.
حول معركة القصير
إلى جانب اتهام حسن نصر الله بأنه وراء اغتيال الكوادر الشيوعية بمن فيهم أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني، وكما لاحظنا في الجزء السابق من هذه المقالة، فإن رثاء الحزب الشيوعي اللبناني لحسن نصر الله بهذه الكلمات النابعة من القلب يؤكد بطلان تلك الاتهامات، تم الهجوم عليه والمطالبة بقتاله لمشاركة حزب الله بمعركة القصير، وهذه حقيقة وليست اتهاما مغرضا، بل هذا أمر معروف لولاه ربما لسيطر “الإسلامويون على مقاليد الأمور في سوريا، وعدنا مئات السنين إلى الوراء، ” وأنا أستخدم مصطلح “الإسلامويين” خصيصا لأميزهم عن الشعب المسلم من السنة، وأهلي منهم ولكن مواقفهم مغايرة كما معظم الشعب في سوريا”، وحتى لا يكون كلامي جزافا سنناقش الأمر باختصار.
كانت القصير معبرا لتهريب البضائع المختلفة إلى سوريا لكسب المال عبر تجاوز دفع الضرائب الجمركية، لكنها تحولت مع بداية الأزمة وسيطرة المقاتلين عليها ورفع علم سوريا القديم وقت الانتداب الفرنسي “كما فعل الإسلامويون الليبيون باعتماد علم ليبيا إبان الحكم الملكي” إيحاء بأن التغيير سيكون شاملا”، تحولت القصير إلى مركز أساسي لتهريب الأسلحة حتى الثقيلة وتسليمها للمعاضة، وكذلك تهريب المقاتلين العرب والأجانب وإدخالهم إلى سوريا، ووصلت الأمور إلى مدَّ نفوذ المسيطرين عليها حتى داخل لبنان، وكان من بين أهداف المجموعات المعارضة الموجودة في القصير القضاء على نفوذ حزب الله، وإعاقته في تقديم المساعدة لسوريا، وتحجيم قوته وقدراته، ولكن من هي القوى التي كانت موجودة في القصير والتي حاربها حزب الله ؟ كانت هناك جبهة النصرة المنبثقة عن القاعدة، وقوات الفاروق نواة الجيش الحر المدعوم والممول من تركيا، أي عمليا من الأخوان المسلمين، ومن البديهي أن قوى إسلامية داخل لبنان كانت تسهل تحركات هذه القوات التي اتسعت بانضمام مقاتلين من الخارج إليها، وقامت باعتداءات على القرى اللبنانية الحدودية القريبة من القصير، وكان لا بد من وضع حد لقوات المعارضة المسلحة المسيطرة على القصير.
حسنا لا بد قبل اتهام حزب الله بقتل الشعب السوري في القصير من قول الحقيقة، وهي أن حزب الله ساعد الجيش في الخلاص من قوة عسكرية حقيقية مزودة بالأسلحة الثقيلة والرشاشات، وكمية كبيرة من الذخائر، وتمكنت لأسابيع طويلة من صد هجمات الجيش السوري، وليس ضد الشعب، إذن في الواقع تم القضاء على قوات إسلاموية مدعومة من أمريكا وتركيا، وليس على الشعب السوري، وكان معظم الأهالي قد خرجوا من المدينة الصغيرة، وباتت قوات النصرة والجيش الحر تكاد تكون أكثر من عدد السكان الذين تبقوا في القصير، ومن البديهي أن هناك أبرياء سقطوا للأسف نتيجة هذه المعارك، ولكن حزب الله والجيش السوري لم يهاجموا بلدة تحمل الورود والزهور في استقبالهم بل المدافع والرشاشات والقنابل، وحسب بعض المعطيات فإن خسائر الجيش السوري وحزب الله كانت بالمئات أيضا، أحب أن أذكِّر أن القوى الرجعية الإسلاموية في لبنان والتي كانت تدعم المقاتلين ضد الحكومة السورية في القصير أقامت الدنيا ولم تقعدها مطالبة بالنفير العام، وتشكيل فصائل مسلحة وتوجيهها لقتال حزب الله، حتى أن إمام مسجد بلال بن رباح في صيدا الشيخ أحمد الأسير المعروف بنزعته السلفية أفتى بالجهاد في القصير، وأعلن عن تشكيل كتائب المقاومة الحرة انطلاقا من صيدا!!! كما دعا الشيخ سالم الرافعي أحد قادة السلفيين في لبنان إلى إعلان التعبئة العامة ومقاتلة حزب الله، هل بات واضحا عمن يدور الحديث؟ وتساؤلي هنا بالدرجة الرئيسية موجه إلى بعض اليساريين الذين وقفوا عمليا مع هؤلاء الإسلامويين ضد حزب الله، لم يكن بين آلاف المقاتلين الذين تكدسوا في القصير ولا يساري واحد، ومع ذلك هناك من هم “أشد فتكا” من مقالتي القصير.
إسرائيل هي المنقذ
يقول الفيلسوف الأمريكي التقدمي نعوم تشومسكي: إن أردت غزو شعب ما، اصنع له عدوّا وهميا يبدو لأفراد هذا الشعب أنه أكثر خطرا منك “يقصد من العدو الحقيقي” ، ثم تصرف وكأنك تريد إنقاذهم منه!!! “1”
أليس هذا ما حدث خلال الصراع العربي الإسرائيلي وخاصة في العقود الأربعة الأخيرة، أي بعد سقوط نظام الشاه في إيران، فقد كانت علاقات الأنظمة الرجعية العربية جيدة جدا مع محمد رضى بهلوي، والشاه محمد رضا بهلوي على علاقة ممتازة مع إسرائيل التي لها سفارتها في طهران، ولم يكن صدفة أن يلتجئ الشاه إلى مصر عام 1979 زمن السادات الذي استقبله أحسن استقبال “كرفيق درب نحو تعميق العلاقة مع إسرائيل باسم الموضوعية” ذاك أنه بدروه حسَّن علاقاته مع إسرائيل بزيارة نوعية عام 1977… منذ انهيار نظام الشاه محمد رضى بهلوي بدأت تتصاعد بشكل كبير موجة استعداء إيران باعتبارها بلدا شيعيا، والسؤال الذي يطرح نفسه هل كانت إيران أيام بهلوي سنيّة؟ وهل بهلوي نفسه سني أم شيعي… هنا السر، الموقف من إسرائيل، خاصة أن النظام الجديد الذي أطاح بالشاه حول سفارة إسرائيل تحديدا إلى سفارة لفلسطين.
لذا لا يجوز الحكم على العرب وكأنهم كيان واحد متجانس متوافق متحد رغم اننا نتمنى ذلك، الجوهر هو بكل بساطة معاداة من يقف ضد إسرائيل ويقاتلها، وإسرائيل تمكنت للأسف بمساعدة الغرب وأجهزته الإعلامية هائلة القوة والتأثير من إشعال الفتنة أكثر من مرة، لكن الأمر وصل إلى حدٍّ بالغ الخطورة يذكر تماما بقول تشومسكي، لقد تمكنت إسرائيل من إقناع بعض العرب بأن العدو الحقيقي هو إيران، وبما أن إيران شيعية وحزب الله شيعي فهو أيضا عدو حقيقي لإسرائيل ولهؤلاء العرب!!! طبعا هؤلاء العرب لا يصدقون هذه الترهات، ولكنهم يوحون بأنهم يصدقونها، وهم في الواقع يرغبون جدا بصداقة إسرائيل والتعاون معها، والمثل يقول عدو عدوك صديقك! وهكذا تتبجح اليوم إسرائيل بكل ثقة بأن بعض العرب بل الكثير من العرب سيقفون معها في حربها ضد حزب الله وإيران، والأمر ليس ألعوبة انطلت على الدول المطبعة مع إسرائيل، بل إن هذه الدول أساسا مستعدة وراغبة.
لم يكن صعبا علىَّ آنذاك قراءة آفاق تلك المرحلة، فكتبت بعد وفاة عبد الناصر قصيدة فيها صرخة من قلب محروق :
أشتكي ممكن وخلجاني
بوجه الريح تستلقي لقانون العبيد
تفتح الساقين حتى الخاصرة
رحت أستجدي الصعيد
أن يموت الموت تحيا من جديد
في الليالي الماطرة
كي تعود القاهرة “2”
فهل تعود القاهرة كما كانت أيام عبد الناصر معادية للاستعمار والصهيونية، ورائدة في توحيد العرب لتحرير الأرض المحتلة؟
أنا شخصيا أومن أن الشمس لا بد من أن تشرق مهما طغت عصور الجليد!