منذ ما قبل سقوط سايغون يوم 30 نيسان/ إبريل عام 1975، إيذاناً بهزيمة الولايات المتحدة في فيتنام وانسحابها المذل منها، بعد أن اوغلت في استخدام كامل ترسانتها العسكرية الفتاكة، وخاصة المحرّم منها في قتل الشعب الفيتنامي، وحرق قراه وبلداته ومزارعة بأطنان قنابل النابالم.. تماماً كما يفعل كيانها المجرم في غزة ولبنان، وإن بدرجات مضاعفة نظراً للتطوّر الهائل في الصناعات العسكرية.. والناخب الأمريكي لا يُعير أدنى إهتمام للسياسة الخارجية الأمريكية، التي تنتهجها إداراته المتعاقبة في العالم عامّة، والشرق الأوسط خاصة، حيث تتماهى بل وتصاغ هذه السياسة مع رغبات ومحددات تل أبيب فقط.
دأبت العادة أن يكون الدم الفلسطيني أحد ثوابت الانتخابات الإسرائيلية، حيث يتنافس المرشّحون على أيّهم سيكون أكثر إيغالاً بالدم الفلسطيني، والأشدّ تنكّراً لحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والمشروعة دوليّاً.. لكن أن يتحوّل هذا الدم إلى ورقة إنتخابية أمريكية فهذه ظاهرة مستجدّة، حيث شهدنا منذ طوفان الأقصى، طوفاناً من تصريحات القادة السياسيين والعسكريين، الرسميين منهم وغير الرسميين، توافقوا على ثابت أوحد: “حق إسرائيل المطلق وغير المقيّد بالدفاع عن النفس”، و”الدعم الأمريكي اللامحدود والشامل لإسرائيل”. لدرجة اعتبار “أمن إسرائيل” هو “أمن قومي أمريكي”، وكأن هذا “الكيان” المجرم قفز من مرتبة الولاية 51 بحسب تصنيف شارل ديغول إلى الولاية رقم 1. لكن والحق يُقال اختلفوا على كيفية إبادة الشعب الفلسطيني، كل بحسب خلفيته الثقافية المنحدر منها، في ولايات الأمم. ففي حين اقترحت الهندوسية نيكي هيلي إبادتهم حرقاً، تباينت اقتراحات أحفاد الرئيس الأبيض الأوروبي هاري ترومان ما بين استخدام السلاح النووي، وبين الدمار الشامل كما فعل الحلفاء بالمدن الألمانية بعد سقوط الرايخ الثالث في الحرب العالمية الغربية الثانية.
أربعة أيام تفصلنا عن افتتاح صناديق اقتراع الناخب الأمريكي، الذي وجد نفسه امام خيارين لا ثالث لهما: السيء والأسوأ. وكلا المتنافسيْن يختلفان في قضايا داخلية وخارجية كثيرة، لكنّهما يجمعان على الثابت المشار له أعلاه، حتى لو بلغت الأمور حدّ اندلاع حرب كونية نووية لا تبقي ولا تذر، وليس فيها من مُنتصر، وهو ما يؤكد الحضيض الذي وصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الغربية أيضاً. وربما الخاسر الوحيد في هذه السباق الانتخابي المحتدم والهابط بعد الولايات المتحدة نفسها، سيكون الغرب الأوروبي ودول “الناتو” التي تتحسس رأسها وتعبّر عن مخاوف جدية من فوز ترامب، وكذلك المراهنين العرب على فوز أحد حصانيْ السباق كلّ حسب مقاييسه ورغباته الخاصة، مسقطين واقعهم على الواقع الأمريكي الذي يصنع فيه الرئيس صناعة ويتقيّد بمَن يصنعه، وفي كلا الحالتين سيكون “الكيان” هو الرابح الوحيد، مقابل ثابت التنكّر للحقوق الفلسطينية والعربية والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة، كما درجت العادة.
أمّا الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وبقية شعوب العالم، والتي خبرت كافة ساكني البيت الأبيض طيلة عقود طويلة خلت، فلا تُلقي بالاً لهذه الانتخابات، ولا يعنيها الأمر لا من قريب ولا بعيد، “فكلّهم في الهم غرب”، لكن تصريحات ترامب ببرك الدم في حال عدم انتخابة قد تؤكد ما هو حتمي، وربما اقترب أوانه، بانتصار “الدم الفلسطيني على السّيف الأمريكي الغربي الإسرائيلي”.